إن خطبـة الحجـاج التاريخيـة في أهـل العراق مـا زالت مدويـة إلى الآن. ويمكـن استعمالهـا في وضعيـة العالـم العربي في وقتنـا الحاضـر، حيـث حـان ميعـاد القطـاف في بعض الحقـول والمـروج.
غيـر أن ذلك وإن كـان يصـدق على فئـة من الحكـام الذين أذلـوا شعوبهـم واستحـوذوا على ثرواتهـا وصادروا حرياتهـا، فإنهـا تصـح أيضـا على غيرهـم ممـن تزعمـوا قيـادة هيئـات وتنظيمـات شعبيـة، وخلـدوا في كراسيهـم، دون أن تكـون لهـم مساهـمة إيجابيـة فعالـة في المهـام التي أسنـدت إليهـم أو المسؤوليـات التي اضطلعـوا بهـا واحتكروهـا لأنفسهـم.
أجـل، لقد رأينـا، على ضـوء الأحـداث الأخيـرة في تونـس ومصـر على الخصوص، كيـف أن قيـادات الأحـزاب السياسيـة والمنظمـات التمثيليـة الأخـرى لـم تكـد تحـرك ساكنـا، ولـم تكلـف نفسهـا حتى عنـاء التعبيـر عن مواقفهـا، وإلقـاء تصريحـات واضحـة حول الأحـداث العميقـة الأثـر، والبالغـة الأهميـة في مسـار الشعـوب العربيـة. لقـد برهنـوا بالملمـوس أنهـم غيـر قادريـن على تحمـل أعبـاء بلـورة آراء وتطلعـات من يزعمـون تأطيرهـم وتمثيلهـم والتحـدث باسمهـم.
والأمـر نفسـه ينطبـق على المنتخبيـن على كـافة المستويـات والأصعـدة، وبمختلـف مشاربهـم وأطيافهـم وقناعاتهـم.
لقـد عجـز هـؤلاء جميعـا عن رفـع أصواتهـم والنطـق بمـا يحسـه النـاس، ومـا يضطـرب في صدورهـم وضمائرهـم إزاء انتفاضـة الشعـوب في بعـض الأقطـار العربيـة.
وهكـذا، فقد شكلـت الأحـداث التي نشهدهـا هنـا وهنـاك، محكـا حقيقيـا لأولئـك 'الزعمـاء'، ومحطـة تاريخيـة بكـل المقـاييس، كمـا مثلـت فاصـلا بين عهديـن ومرحلتيـن في تطـور الوضـع العـربي بصفـة عامـة.
ولا بـد من الإقـرار بأن كثيـرا من الأحـزاب الكلاسيكيـة قد أصابهـا الوهـن والعقـم والعجـز، وتآكلـت أجسامهـا، ولم يعـد باستطاعتهـا أن تـؤدي دورهـا المنـوط بهـا. وقد سيطـرت عليهـا فئـات اجتماعيـة وسياسيـة طفيليـة ووصوليـة، لا هـم لهـا سـوى المحافظـة على مصالحهـا وصيانـة مكتسباتهـا، والمساهمـة في قواعـد اللعبـة السياسيـة التي تقتـضي أن تضمـن توازنـا واستقـرارا لموازيـن القـوى لفائـدة نفـس المحظوظيـن والمستفيديـن من المـال والجـاه والنفـوذ والامتيازات التي يكفلهـا لهـم تمسكهـم بالنظـام القـائم.
وفي هـذا الإطـار، فقد استحالـت العمليـات الانتخابيـة إلى مناسبـات ووسائـل لتكريـس الوضـع المهيمـن، وإعـادة إنتـاج نفـس الهيئـات والقـوى المشاركـة في تسييـر شـؤون الحكـم محليـا ووطنيـا.
وقد ولـدت هـذه الأسـاليب والممارسـات عزوفـا عن العمـل السيـاسي، وصدوفـا عن الانتخابـات. ولا يخـفى مـا لهـذه الوضعيـة من آثـار وتداعيـات ومخلفـات سلبيـة قـد تنتـج في أيـة لحظـة احتقانـا وغليانـا قد يعقبهمـا انفجـار مجهـول العواقـب.
ولعـل واقـع الأحـزاب في الوطـن العـربي فيه بعـض التشابـه والتماثـل. فأغلبهـا يعيـش أزمـة هيكليـة وتنظيميـة ومرجعيـة. إلا أن أخطـر مـا تعانيـه، قد يكـون مشكـل انعـدام أو نقـص الشرعيـة.
وهكـذا، نـرى أن بعضهـا مـا زال يلعـب على وتـر مـاض ولى وانتـهى، فيذكـر أمجـاده الغابـرة، ويطنـب في سـرد تاريخـه النضـالي أيـام الاستعمـار أو بعـد الاستقـلال. ولا يفـوته أن يعيـد باستمـرار مـا قاسـاه من ألـوان القمـع والاستبـداد أو التعـذيب. وكـأن عجلـة التاريـخ قد توقفـت، وكـأن ذلك يغنيـه عن مواصلـة النضـال بـشتى أشكالـه، أو يعفيـه من المحاسبـة على مواقفـه وتصرفـاته وأفعالـه. وهكـذا، فإن المرجعيـة التاريخيـة تصبـح مع الوقـت فارغـة من كل محتـوى، بل الخطيـر أنهـا قد تستعمـل أحيانـا لتبريـر الأخطـاء والخلـود في المناصـب، والاستفـادة من الامتيـازات.
وبعـض الأحـزاب لا تنفـك تذكـر زعمـائها التاريخييـن، متخـذة ذلـك ذريعـة ووسيلـة لإيصـال خطاباتـها، ومحاولـة إقنـاع أتباعـها ومناوئيـها بصحـة أفكـارها وتوجهاتـها. وفي ذلك مـا فيـه من خـلط وتجـاوز ولبـس في واقـع الأمـور وحقيقـة الأوضـاع.
ومنهـم من يستغـل مفهـوم القوميـة ليكسـب بعـض الشرعيـة، وينـال رضـى وعطـف النـاس. وغـني عن البيـان أن هـذا الأمـر وإن كـان يشكـل تطلعـا ومطمحـا لـدى الشعـوب العربيـة، إلا أنـه لا يعـدو كونـه حلمـا يبـدو صعـب المنـال إن لـم يكـن يعـد من المستحيـلات.
وأحـزاب أخـرى مـا تـزال متشبثـة بمذاهـب وقناعـات أثبـت التـاريخ أنهـا ضربـا من الوهـم أو الحلـم الغيـر القـابل للتطبيـق على أرض الواقـع، مثـل الاشتراكيـة العلميـة أو الشيوعيـة.
وهنالـك طائفـة من التنظيمـات تحـاول، عن قصـد أو جهـل أو مصلحـة، أن تستغـل المعتقـدات الدينيـة الساميـة كي تغـازل الجمـاهير وتشرئـب إلى اكتسـاح الساحـة السياسيـة من هـذا المنطلـق.
يتبيـن إذن أن جـل الأحـزاب التقليديـة إنمـا تعيـش أزمـة من حيـث الشرعيـة والمصداقيـة، ممـا دفـع النـاس، وخـاصة الشبـاب، إلى أن تنـأى عنهـا وتنفـر منهـا، ولا تـرى جـدوى من الانضمـام إلى صفوفهـا أو الثقـة فيهـا أو اتباعهـا.
ومـا الأحـداث الحاليـة التي تعـم الساحـة العربيـة إلا دليـل قاطـع وبرهـان ساطـع على هـذا التوجـه الجوهـري الذي خلـق واقعـا جديـدا لم يسبـق لـه نظيـر. ذلـك بأن الشبـاب الثـائر قد أصبـح في الطليعـة، وأضحـت الأحـزاب وكل المنابـر ومنابـع النصـح والاستعـلاء تلهـث في المؤخـرة، وهي تسـعى جاهـدة إلى اللحـاق بالركـب وتـدارك أمرهـا قبـل فـوات الأوان.
ومن يـدري، لعلـه قـد أزف أوان بـزوغ عهـد آخـر في واقـع التنظيمـات الشعبيـة المترهـلة، وهياكـل المجتمـع المـدني المتآكلـة، بحيـث تطـفو على السطـح وتهيمـن أكثـر فأكثـر مفاهيـم وممارسـات مثـل شيـوع الديمقراطيـة والعدالـة وتكـافؤ الفـرص، وسيـادة قيـم الكفـاءة والنزاهـة والاستقـامة والصـدق ومـا إلى ذلك من الأسـس الساميـة النبيلـة التي ننـادي بهـا دون أن نعمـل بهـا وأن نترجمهـا في واقعنـا اليـومي الملمـوس.
لقـد أنى للحكـام وذوي النفـوذ والسلطـة، وقـادة التنظيمـات الشعبيـة أن يتحـولوا حـقا إلى خـدام لعـامة النـاس التي يتحكمـون في وضعهـا ومصيرهـا، وأن ينـأوا بأنفسهـم عن الانغمـاس في كل مظاهـر الفسـاد بشتى أنواعـه، واستغـلال النفـوذ والشطـط في استخـدام السلطـة على حسـاب الفئـات الواسعـة من أفـراد الشعـب الذين لا يبـقى لهـم إلا الإصغـاء للغـة الخشـب والاستخـذاء للأمـر الواقـع والاكتفـاء بمـا فضـل من بقـايا وفتـات.
عمـرو بالحسـن (11/02/2011)
1463 قراءة
Européennes 2019 : résumé.. Les résultats sont tombés et le duel annoncé a bien eu lieu : le Rassemblement n.. Le Monde ..
« Monde musulman, je ne vous souhaite pa.. Dilnur Reyhan, présidente de l’Institut ouïgour d’Europe, s’adresse aux pays mus.. akae ..
Comment des pages Facebook prospèrent su.. Jeunes femmes mutilées, enfants malades… sur Facebook, des photos partagées des .. akae ..
Le prince, les héritiers et les cartes p.. Comment un groupe très particulier s'est adapté au tour de vis contre la fraude .. akae ..
وزير الخارجية التركي لنائبة فرنسية: هل ن.. مشادة كلامية عنيفة بين وزير تركي ونائبة ماكرونية
أثار موضوع «الإبادة الجماعي.. akae ..
المغرب : إنهاء عملية حصر قوائم الأشخاص ا.. أفاد بلاغ لوزارة الداخلية يوم الإثنين أنه في إطار الإعداد لعملية الإحصاء المتعلق.. akae ..
وقع هذا في مدرسة في الخليل ~ 20 مارس 201.. جنود الاحتلال الصهيوني الطغاة، يعتقلون طفلا من داخل مدرسته ويعنفون معلميه.
حدث .. akae ..
التعليقات خاصة بالمسجلين في الموقع، تفضل بالتسجيل إن كنت ترغب في ذلك
حقوق النشر محفوظة : يجب احترام حقوق الطبع والنشر. إتصـل بالمـوقع قبـل نسخ مقـال, صـورة أو شـريط المقالات و التعليقات تعبر عن آراء أصحابها و ليست أحفـــير أوروبــا مسؤولة عن مضامينها
شـروط إستخدام الموقع
